أولى أمهات المسلمين، ولدت بمكة المكرمة سنة 68 قبل الهجرة، وتربّت في بيت شرف ووجاهة، ونشأت على الأخلاق الحميدة.. كانت تُدعى في الجاهلية بـ "الطاهرة" لعفتها وعقلها الراجح وحزمها.. تزوجت مرتين قبل رسول الله (صلى الله عليه وسلم).
كانت (رضي الله عنها) تستأجر الرجال في تجارتها، وبلغها عن محمد صدقه وأمانته وكرم أخلاقه، فبعثت إليه وطلبت منه أن يخرج في تجارة لها إلى الشام مع غلام لها اسمه ميسرة، فربحت تجارتها ضعف ما كانت تربح، وبعد العودة أخبرها غلامها عن أخلاق رسول الله ولطفه وحلمه وكرمه، فعرضت عليه الزواج، وتزوجها الرسول الكريم قبل البعثة بخمس عشرة سنة، ولها من العمر أربعون سنة، ورسول الله خمس وعشرون سنة.
كانت (رضي الله عنها) أول امرأة يتزوجها النبي الكريم، وأحب زوجاته إليه، وأنجبت له ولدين وأربع بنات: القاسم وعبد الله، ورقية وزينب وأم كلثوم وفاطمة (رضي الله عنهم). وأوّل من آمنت به من النساء والرجال، ووقفت إلى جواره تسانده وتواسيه وتخفف عنه ما يلقاه من تعذيب المشركين له فتقول: "والله لا يخزيك الله أبداً، إنك لتصل الرحم، وتصدق الحديث، وتحمل الكل، وتعين على نوائب الحق".
أثنى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) عليها ما لم يثن على غيرها. تقول السيدة عائشة: "كان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) لا يكاد يخرج من البيت حتى يذكر خديجة فيُحسن الثناء عليها، فذكرها يوماً من الأيام فأخذتني الغيرة، فقلت: هل كانت إلا عجوزاً قد أبدلك الله خيراً منها.. فغضب ثم قال: (لا والله ما أبدلني الله خيراً منها، آمنتْ بي إذْ كفرَ الناس، وصدَّقتني إذ كذّبَني الناس، وواستني بمالها إذ حرمني الناس ورزقني منها الله الولد دون غيرها من النساء). قالت عائشة: "فقلتْ في نفسي: لا أذكرها بعدها بسبّةٍ أبداً".
وفاتها رضي الله عنها وأرضاها
في العام العاشر من البعثة النبوية الشريفة وقبل الهجرة بثلاث سنين توفيت السيدة خديجة ولها من العمر خمس وستون سنة، وأنزلها رسول الله وأدخلها القبر بيده، وكانت وفاتها مصيبة كبيرة للرسول الكريم تحملها بصبر ورضا، وسُمي عام وفاتها بـ (عام الحزن).
من وفائه لها (صلى الله عليه وسلم) أنه كان يصل صديقاتها بعد وفاتها ويُحسن إليهنّ، وإذا سمع صوت هالة (أخت خديجة) تذكّر صوت زوجته فيرتاح لذلك، كما ثبت في الصحيحين.
رضي الله عنها وأرضها، وجمعنا الله بها وبجميع أمهات المؤمنين.. آمين يا رب العالمين.